هل 73% من الثقة شهادة نجاح للحكومة أم شهادة حياة للديمقراطية المغربية؟
بنعزوز عبد الغني
تشير بعض التقارير الأخيرة إلى أن نسبة ثقة المغاربة بالديمقراطية بلغت ثلاثة وسبعين في المائة خلال فترة حكومة عزيز أخنوش، وهو رقم قد يبدو للوهلة الأولى دليلاً على نجاح التجربة الديمقراطية أو على الأقل استمرار قناعة الشعب بجدوى المسار الديمقراطي. غير أن القراءة العميقة لهذا المعطى، إذا ما قورنت بالسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تكشف دلالات مغايرة تمامًا لما يحاول البعض إظهاره. فالثقة في الديمقراطية لا تعني بالضرورة الرضا عن الحكومة القائمة، بل قد تكون على العكس تمامًا تعبيرًا عن رغبة جماعية في التخلص منها عبر الآليات الديمقراطية ذاتها.
إن الديمقراطية، في وعي المغاربة، تتجاوز الأشخاص والحكومات، فهي منظومة قيم وآليات تسمح للشعب بمحاسبة من يتولى السلطة، وتتيح إمكانية تصحيح المسار. ولذلك فإن ارتفاع هذه النسبة ليس تزكية لحكومة أخنوش ولا للأحزاب المكونة لها، وإنما تأكيد على تمسك الشعب بأداة التغيير السلمي التي تمنحه القدرة على معاقبة المسؤولين عن تدهور أوضاعه المعيشية. فالواقع اليومي يكشف حالة احتقان اجتماعي غير مسبوقة نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء أسعار المواد الأساسية، وتراجع القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة، وغياب سياسات فعالة تعوض المواطنين عن هذه الأعباء. وإضافة إلى ذلك، يتنامى شعور واسع بأن المال والسلطة تزاوجا بشكل فاضح، مما أدى إلى فقدان الثقة في نزاهة القرار السياسي وقدرته على الاستجابة لحاجيات الناس. كما لم يُترجم الحوار الاجتماعي إلى نتائج ملموسة، فازداد الإحباط الشعبي، وباتت صورة الحكومة مرتبطة بالعجز والبعد عن نبض الشارع.
التاريخ السياسي المغربي يؤكد أن الشعب يستعمل الديمقراطية كآلية للعقاب وإعادة توزيع الأوراق، فبعد موجة الاحتجاجات في 2011 صعد حزب العدالة والتنمية كرد فعل شعبي على تراجع الثقة في الأحزاب التقليدية، لكنه نفسه عوقب بقسوة في انتخابات 2021 بعدما خذل تطلعات المواطنين، فانحدر من مائة وخمسة وعشرين مقعدًا إلى ثلاثة عشر فقط. وهذا يعكس قاعدة راسخة في السلوك الانتخابي المغربي، وهي أن الناخب قد يتسامح في البداية، لكنه حين يواجه خيبة أمل اقتصادية واجتماعية يميل إلى إسقاط من يتحمل المسؤولية التنفيذية، مهما كانت الظروف أو المبررات.
ما يسمى بالعقاب الانتخابي الدوري يُعد ظاهرة طبيعية في الأنظمة الديمقراطية الناشئة والمستقرة على حد سواء، حيث يتعامل المواطنون مع صناديق الاقتراع كوسيلة لإعادة التوازن بعد كل دورة حكم لم تستجب لتطلعاتهم. وفي السياق المغربي، تتزايد المؤشرات على أن الانتخابات المقبلة ستكون انتقالية وحاسمة، لأن تراكم الغضب الشعبي وتراجع جودة العيش وغياب إصلاحات بنيوية يعزز الميل إلى التصويت العقابي ضد حزب رئيس الحكومة وحلفائه، وعلى رأسهم حزب الأصالة والمعاصرة.
إذن القول إن ثلاثة وسبعين في المائة من المغاربة يثقون في الديمقراطية ليس دليلاً على رضاهم عن الحاضر، بل على إيمانهم بأن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لتغيير هذا الحاضر. إنها تعبير عن تمسك المجتمع المغربي بالآلية التي تمنحه حق المحاسبة وتتيح له التخلص من حكومة يرى فيها نموذجًا لفشل التسيير وتزاوج المال بالسلطة وغياب العدالة الاجتماعية. ومن هذا المنظور، فإن هذه النسبة المرتفعة لا تحصّن الحكومة من السقوط السياسي المؤكد المحتوم، بل تؤكد أن المغاربة ينتظرون بفارغ الصبر لحظة الاقتراع المقبل ليعيدوا رسم المشهد الحزبي ويحمّلوا المسؤولية لمن أرهقهم اقتصاديًا واجتماعيًا و حتى نفسيا.















































