رضوان الرمضاني يكتب: من يزيد صبَّ "الزِّيدِ" على النار؟
رضوان الرمضاني -
موقفي واضح حتى لو اتهمت بأنني لحاس وطبال وشمكار وبائع "مباراة" وفاسد وصباغ وعميل وصوت مأجور وبوق مكترى وقلم يباع ويشترى، وغير ذلك من الأوصاف "الراقية" التي تؤكد "رقي" النقاش العمومي، وتؤكد أن "الحرية"، بما فيها حرية التفكير والتعبير، مشترك مقدس لا يدنسه الدكتاتوريون الافتراضيون أصحاب الشطط في استعمال سلطة، وزرواطة، السوشيال ميديا، بكثير من البلطجة اللفظية التي تُنعِشُ نفسية وأحساسيس وخواطر الشجعان.
في جميع الحالات، حتى لو قلتُ العكس، فالأوصاف السابقة، وهي أشبه بالتهم، ثابتةٌ غير قابلة للنقض.
والدليل في ما سيأتي من تعليقات، أغلبها يعكس اتساع الصدور وأخلاق الترافع بالأفكار من السمطة إلى ما تحتها.
إذن، لا بأس من مزيد من الوضوح، تكريسا للأوصاف إياها، وتكريسا للوضوح نفسه.
التفاعل مع أي حركة أو تحرك، مهما كان مستوى مشروعية ونُبل المطالب والشعارات المرفوعة فيه، لا يمكن أن يتم دون استحضار السياق.
والسياق الحالي، بما اتضح منه وما استتر، يفترض الكثير من الحذر والنباهة.
لا نقاش على مطالب إصلاح الصحة والتعليم والعدالة. ولا جدال على حُلمِ محاربة الفساد، وأزيدُ على ذلك مطلب محاربة الريع، ما ظهر منه وما بطن، وتحقيق كافة شروط الكرامة والحرية والمساواة في هذا الوطن.
لكن، وأنا عاشق متيم بكل أنواع لكن، أن يكون المطلب مشروعا ونبيلا لا يعني عدم التنبيه إلى ما ينبغي التنبيه إليه.
هناك من يغريه "الربيع" ولا يبالي بالحافة. أما أنا فَتَهُمني النجاةُ من الحافة أكثر من "التهام" الربيع!
هذا اختيار.
لذلك، أن يتحرك جيل Z، فجأة، لا يعني مجاراته إلى باب النفق.
الطاقة التي تحرك هذا الجيل لا بُدَّ أن يُتفاعَل معها، وهذا دور الحكومة وأغلبيتها وأحزابها، ودور المؤسسات كلها. ولا بُد أن تُحتضن، وتُؤطر، وبعيدا عن منطق الوصاية.
هذا لا شك فيه، ولا نقاش عليه، ولا اختلاف حوله. لكن التفاعل والاحتضان لا يعني كارط بلونش. ولا يعني الانسياق الأعمى. ولا يعني البحث عن صب "الزيد" (Z) على النار، كما يصنع الناقمون والحاقدون ومن ينتظرون في كرسي الاحتياط المناداة عليهم.
لهذا قلت إنه لا بد من استحضار السياق. والسياق أكبر من حكومة، وأقرب إلى وطن. الحكومة عابرة، والوطن مستمر.
وأكادُ أجزم أن الحكومة المقبلة ستدفع الثمن. كيف؟ ستدفع الثمن لأن سقف الانتظار كبير. وستجد نفسها في ورطة، خصوصا حين يصل إليها من يرفعون الشعارات الآن، بحس انتقامي.
تذكروا كلامي.
حين يكون النقد بقلة مسؤولية يتحول إلى "انتقام" (ديمقراطي).
أما هواة الأوطوصطوپ فقد وجدوا ضالّتهم في جيل متمرد. إنه بمثابة هوتة. إنه الفرصة لإرباكِ الاستقرار.
هذا هو الوجه الآخر للعملة.
في الوجه الأول مطالب مشروعة وسذاجةٌ نضالية. وفي الوجه الثاني تنِّينُ ينتظر اللحظة لينفث ناره.
أليسَ من الواجب الحذر؟
أليس من الواجب التنبيه إلى أن عدالة المطالب لا تُعفي من مساءلة من اجتهد، سنوات طويلة، في الشحن والتضليل والتحريض؟
أليس من الواجب، أيضا، مساءلة من تبنَّوا سياسة الأرض المحروقة انتقاما لنكسات ضيقة؟
أليس من الواجب، كذلك، محاسبة، من أخلوا ساحة النقاش العمومي وتركوا العدم وحده ينشر "إنجازاته"، ويُزَنِّد جيل Z وغيره؟
أليس من الواجب، كذلك وأيضا، محاسبة من ركنوا إلى مراكمة الثروات، مستغلين مواقعهم، غير مبالين بمسؤولياتهم العمومية؟
أليس من الواجب محاسبة من شغَّل آلة تقسم أبناء الوطن إلى فئة "أولاد الشعب" وفئة "الزلايجية"؟
أليس من الواجب محاسبة من اقتات، ويقتات، بخِسة وسطحية وقلة مسؤولية، على مواضيع حساسة؟
أليس من الواجب محاسبة من اجتهد، سنوات، في تصوير البلاد رحبة فساد فقط؟
أليس من الواجب محاسبة من استثمر في بورصة الشعبوية غير فاصل بين النقد (????) وبين تدمير النفسية الجماعية؟
المرحلة تحتاج إلى إنصاتٍ وإلى تفاعل وإلى فعل، لكنها تحتاج كذلك إلى الحذر.
هذا ليس هروبا من الواقع.
هذا هو الوجه الآخر للعملة.
هناك من يريد صبَّ الزِّيدِ على النار.
والله أعلم.


















































