غلاء السياحة الداخلية وتراجع مستوى الخدمات يجبر المغاربة على قضاء عطلة الصيف في إسبانيا

يونيو 27, 2025 - 15:58
 0
.
غلاء السياحة الداخلية وتراجع مستوى الخدمات يجبر المغاربة على قضاء عطلة الصيف في إسبانيا

تيليغراف.ما - الرباط 

تشهد السياحة الداخلية في المغرب تحديات متزايدة دفعت أعدادا كبيرة من المواطنين إلى تفضيل قضاء عطلتهم الصيفية في وجهات خارجية، على رأسها إسبانيا، وذلك بفعل الارتفاع المفرط في أسعار الإيواء والخدمات الفندقية، وضعف تنافسية العروض السياحية الوطنية. 

وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن كلفة قضاء أسبوع سياحي في مدن مغربية مصنفة مثل مراكش أو أكادير، قد تفوق أحيانا ما يمكن إنفاقه في عطلة مماثلة بإسبانيا. فمثلا، يبلغ سعر الإقامة في فندق مصنف ثلاث نجوم بمراكش خلال الصيف حوالي 900 إلى 1200 درهم لليلة الواحدة، دون احتساب الوجبات أو الأنشطة الترفيهية.

أما في مدينة مالقة الإسبانية، فيمكن العثور على فنادق من نفس المستوى بأسعار تتراوح ما بين 60 إلى 80 يورو لليلة، متضمنة الفطور،او منازل مفروشة تعرض للكراء عبر تطبيقات على غرار "AIRBNB" لا يتعدى ثمنها 40 أورو في قلب المناطق السياحية الاسبانية مع بنية تحتية حديثة وخدمة بجودة عالية.

ووفق إفادات مهنية، فإن أغلب العروض السياحية الموجهة للمغاربة تفتقر إلى التنويع وتغيب عنها المرونة، إذ يشتكي العديد من المواطنين من اضطرارهم إلى الحجز بأسعار مرتفعة جدا في فترات الذروة، دون الاستفادة من عروض ترويجية أو تخفيضات كما هو الحال في الأسواق الأوروبية.

كما أن مفهوم "العرض الشامل" (All Inclusive) لا يزال محدودا في المغرب، أو يأتي بأثمان باهظة قد تتجاوز 2000 درهم لليلة الواحدة في مؤسسات مصنفة، في حين توفر بعض المنتجعات الإسبانية خدمات مماثلة بـ100 يورو فقط او يقل عنها .

وينضاف الى الغلاء ورداءة مستوى الخدمات مشكل النقل حيث ان المدن الإسبانية توفر وسائل نقل كالميترو أو الحافلات (تتوفر على التكييف ومتصلة بالانترنيت عبر الوايفاي) وسيارات الاجرة وكذا سيارات النقل بالتطبيقات بينما في المغرب يواجه السائح المحلي مشاكل عديدة في ظل النقص الكبير في وسائل النقل وعدم ترخيص السلطات للنقل بالتطبيقات ورفض "أصحاب الطاكسيات" نقل الزبناء كما حدث مؤخرا في منطقة تغازوت السياحية وهو ما تم توثيقه في فيديو نشرها موقع تيليغراف.ما 

وفي الوقت الذي تعاني فيه السياحة الوطنية من ضعف التنسيق بين الفاعلين، وسوء التنظيم في أماكن الإقامة، وغياب الخدمات الأساسية في عدد من المناطق السياحية، تقدم دول مثل اسبانيا تجربة متكاملة، تتضمن عروضا متنوعة تلائم مختلف الشرائح، من الإقامات الاقتصادية إلى الفنادق الفخمة، مع نظام نقل داخلي فعال، وبنية تحتية سياحية متطورة تسهل حركة الزوار وتنظم تدفقهم.

في هذا السياق، أكد خبراء في المجال أن المواطنين المغاربة الذين يسافرون على نفقتهم الخاصة يفضلون وجهات توفر الراحة، التنوع، الجودة والسعر المناسب. فبينما يحتاج المغربي إلى ميزانية تتجاوز 15 ألف درهم لقضاء أسبوع عائلي في مدينة مغربية سياحية، يمكنه قضاء عطلة مماثلة بإسبانيا بمبلغ أقل، يشمل الإقامة والنقل الجوي والتنقلات الداخلية، وولوج أماكن ترفيهية ومطاعم تقدم خدمة بجودة أوروبية.

كما أن تجربة الإقامة في بعض المدن الساحلية المغربية، مثل تطوان أو السعيدية، تكشف عن نقص كبير في الخدمات الترفيهية، ورداءة بعض المرافق، بالإضافة إلى غياب المتابعة الرقابية في ما يتعلق بجودة الإيواء، وغياب آليات لحماية المستهلك من الغش أو الاستغلال، خاصة في موسم الصيف.

وفي هذا الصدد، يعتبر المهنيون أن ضعف القدرة الاستيعابية للمنشآت السياحية، التي لا تتعدى 300 ألف سرير على الصعيد الوطني، يعمق من حدة الأزمة، خاصة أن فصل الصيف يشهد توافد مغاربة الداخل ومغاربة العالم، إلى جانب السياح الأجانب، ما يؤدي إلى ارتفاع مهول في الأسعار بسبب ارتفاع الطلب وانعدام التوازن بين العرض والطلب.

كما يبرز سلوك المستهلك المغربي، الذي يميل إلى اتخاذ قرارات السفر في آخر لحظة، كعامل ضغط إضافي على المنظومة السياحية، إذ تتسبب هذه العشوائية في إرباك الأسواق وارتفاع مفاجئ للأسعار، دون توفير بدائل مرنة أو عروض لحجوزات متأخرة بأسعار مناسبة.

ويرى متابعون أن تركيز السياسات العمومية على السياحة الأجنبية، دون إيلاء اهتمام كاف للمواطن المغربي، أدى إلى تهميش شريحة واسعة من السكان في حقهم في الترفيه والسفر داخل وطنهم.

ويؤكدون أن استعادة ثقة المواطن تتطلب إعادة النظر في النموذج السياحي المغربي، باعتماد سياسة تسعيرية عادلة، وتحسين جودة الخدمات، وتوسيع قاعدة الاستفادة لتشمل الطبقة المتوسطة والفئات ذات الدخل المحدود.

ويشكل غلاء السياحة المحلية، بحسب تصريحات محللين اقتصاديين، دافعا مباشرا وراء نزيف العملة الصعبة، وحرمان الاقتصاد الوطني من مساهمة قوية كان يمكن أن يوفرها المواطنون لو توفرت لهم عروض مغرية وجذابة داخل بلدهم.

في ذات السياق، أكد يوسف زكي، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بجهة الشرق، في حوار له مع يومية "الصباح" أن أسعار الفنادق خلال فصل الصيف مرتفعة بشكل لا يتماشى مع القدرة الشرائية للمواطن المغربي، مما يدفع عددا متزايدا من المواطنين إلى اختيار وجهات خارجية مثل إسبانيا وتركيا.

وشدد على أن غياب برامج دعم فعالة، وتوقف مبادرات كبرنامج "بلادي"، ساهم في إضعاف السياحة الداخلية، مشيرا إلى أن الموسمية، وافتقار بعض الجهات للمرافق والخدمات الضرورية، تعد من بين أبرز العراقيل.

ودعا إلى إعادة النظر في آليات تشجيع السياحة الوطنية وضمان عدالة مجالية في التنمية والترويج، مع ضرورة تدخل مركزي لتعديل توقيت الدخول المدرسي، بما يسمح بتمديد الموسم السياحي الداخلي لفائدة الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود.